Archive for 30 جويلية, 2008

المغرب بعيون مواطنين أمريكيين

جويلية 30, 2008

“بعد أكثر من ساعة من الانتظار في صف طويل أمام مكاتب موظفي الجوازات بمطار دالاس بالعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي،

جاء دوري، فمددت جواز سفري إلى الشرطي الأسمر الذي استقبلني بابتسامة قائلا: «مساء الخير سيدتي، كيف حالك؟ هل هذه أول مرة تزورين فيها الولايات المتحدة الأمريكية؟»،

وهو يقلب في صفحات الجواز ليقف أخيرا عند صفحة الفيزا، ثم يضيف بنبرة اندهاش: «الدار البيضاء… واو… مدينة الفيلم الشهير»،

ينظر إلي ويعيد النظر في صورة الجواز ليتأكد من هويتي ثم يتابع: «المغرب… لابد أن المغرب بلد مدهش وجميل جدا… كم أود زيارته»،

أسأله: «هل تعرف أين يقع المغرب؟»، يطلب مني بلطف أن أضع أصابع يدي اليسرى ثم اليمنى ثم إبهامي الأيسر فالأيمن على قارئ البصمات ثم يجيب: «في الحقيقة لا أعلم… دعيني أخمن… أظن أن المغرب يوجد في آسيا قرب لبنان. أليس كذلك؟».

يطلب مني أن أقف أمام الكاميرا ليأخذ لي صورة، ويعلق مستغربا بعد تفنيدي لتخمينه: «لم أكن أعلم أن المغرب موجود في إفريقيا. كنت أظن أن كل الأفارقة سمر البشرة».

بعد أن سألني عن مهنتي واسم الجريدة التي أعمل بها ومعنى الاسم بالإنجليزية، وعن سبب زيارتي للولايات المتحدة الأمريكية،

أعاد إلي جوازي قائلا: «مرحبا بك في الولايات المتحدة الأمريكية. أتمنى لك سيدتي مقاما طيبا»، بنبرة تعطي انطباعا بأنك في فيلم هوليودي.


«من أي بلد قدمت؟»، سألني سائق سيارة الأجرة التي استقللتها من المطار إلى الفندق، وهو ينظر إلي بعينين مليئتين بالفضول من خلال مرآة السيارة الأمامية،

أجبته: «أنا من المغرب»، فقال باستحسان: «المغرب يوجد في شمال إفريقيا أليس كذلك؟… أنا أيضا لدي أصول إفريقية»،

«من أين بالضبط؟» سألته،

فأجابني : «أنا أمريكي من أصل إثيوبي». يصمت ليستمع إلى الصوت الصادر من جهاز الجي بي إر إس،والذي يبين له الطريق الذي يجب عليه أن يسلكه للوصول إلى وجهته قبل أن يضيف: «لديكم ملك أليس كذلك؟ لابد أن بلادكم فيها قمع واستبداد، فإثيوبيا هي أيضا كان بها نظام ملكي مستبد قبل أن يصبح رئاسيا». 😆
ظل أبراهام طيلة العشرين دقيقة التي استغرقتها الرحلة يمدح الحرية التي يتمتع بها الأمريكيون بالمقارنة مع المواطنين الآخرين،

وكيف أن الولايات المتحدة هي «بلاد الفرص» لمن يعرف اقتناصها واستغلالها، ورغم المجهود الذي بذلته لكي أقنع السائق بأن الحال في المغرب ليس بهذه السوداوية،

وأن المواطنين المغاربة يتمتعون بشيء من الحريات، فإنه ظل متشبثا برأيه.

وبعد أن يئست من إقناعه، تركته يسرد علي حكايات الزمن الغابر من إثيوبيا التي تركها منذ أكثر من ثلاثين سنة، في الوقت الذي كنت أشاهد فيه أضواء المدينة بعينين متعبتين بعد ثماني عشرة ساعة من السفر. بعد عدة منعطفات، وصلنا أخيرا إلى الفندق. أخرج حقيبتي من صندوق السيارة، ناولته أجرة الرحلة، وناولني بطاقته وهو يطبع ابتسامة على ثغره، مشددا على ضرورة أن أتصل به إن أردت أي مساعدة أو احتجت إلى أي شيء.


بعد انقضاء مقامي في واشنطن دي سي، ركبت الطائرة متجهة إلى ميامي، عاصمة ولاية فلوريدا.

بالمقعد المجاور لي، جلس رجل في الأربعينات من العمر كان يقرأ جريدة الواشنطن بوسط، بادرني بالكلام قائلا: «هل تعيشين في ميامي؟»،

فأجبته بالنفي، مضيفة أنني لست مواطنة أمريكية بل زائرة فقط. «من أي بلد أنت؟»،

قلت: «من المغرب»،

فقال: «لقد عدت منذ ثلاثة أسابيع فقط من المغرب. إنه بلد جميل. لقد زرت مراكش وأكادير والرباط، كما أنني زرت الدار البيضاء التي خلد اسمها الفيلم الشهير، لكنني أصبت بخيبة أمل»،

سألته: «لماذا؟»،

فأجاب: «لم أكن أظن أن الدار البيضاء مدينة اقتصادية بحتة، كنت أظنها مختلفة. لا أدري لماذا، لكنني كنت أنتظر أن أرى مدينة تشبه مدن ألف ليلة وليلة».

أبدى بعد ذلك دارين، الذي يعمل في سلسلة فنادق معروفة، فضولا في معرفة المزيد عن الإسلام،

فأمطرني بالأسئلة حول ما هو حلال وما هو حرام، وفي كل مرة يقوم بمقارنة مع تعاليم ديانته «المرمونية المسيحية» التي تشبه إلى حد ما تعاليم الإسلام،

مثل تحريم شرب الخمر وتدخين السجائر، وجواز تعدد الزوجات، وضرورة تحري الأمانة والصدق وعمل الخير، مع وجود فوارق مثل كون المورمون محرم عليهم تناول أي مشروبات إلا المياه.

بعد أيام من وصولي إلى ميامي، المدينة اللاتينية، كنت مع مجموعة الصحفيين العرب في جولة استكشافية للمدينة.

أثار انتباهنا محل يعرض في واجهته قمصانا عليها وجه أوباما وأخرى عليها وجه ماكين، إضافة إلى دببة بألوان العلم الأمريكي،

وكؤوس تحمل شعارات من قبيل: «الأصدقاء لا يدعون أصدقاءهم يصوتون للح

زب الجمهوري»، فدخلنا.

«من أين قدمتم؟»، سألنا صاحب المحل

«من بلدان مختلفة»، أجابه صحفي تونسي، مضيفا «فأنا قدمت من تونس»، وأنت؟

قلت «من المغرب»،

«أين يوجد المغرب؟ لم أسمع بهذا البلد من قبل؟»، سألنا مندهشا،

«في إفريقيا، تونس أيضا بلد إفريقي»،

يقول بنبرة واثقة: «إذن فأنتم تعيشون في الأدغال». 😆

أصابني ما قاله بالذهول، غير أن الصحفي التونسي رد عليه قائلا: «نعم نحن نعيش في الأدغال، وأنا شخصيا أعيش في كوخ فوق الأشجار»،

«لماذا فوق الأشجار؟»، يسأل صاحب المحل ببراءة،

«بسبب التماسيح».D:

يصمت الأمريكي للحظات، قبل أن يتدارك الأمر ويطلق ضحكات هستيرية، بعد أن رأى ضحكاتنا المكتومة وتعابير وجهنا المستمتعة بهذا الحوار غير المتوقع، ولمس نبرة سخرية من طرف متحدثه التونسي”

ســـهام احــــولــيـن

جريدة المساء

أخطأت يا موسى : العرب مغفلون

جويلية 27, 2008

“ليسمح لنا السيد عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، أن نختلف معه، في قوله للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، أثناء انتفاضته الغاضبة، إن العرب ليسوا مغفلين أثناء مشاركة الاثنين في مؤتمر الحائزين على جائزة نوبل المنعقد حاليا في مدينة البتراء، ونقول له إنهم فعلا مغفلون بل و أغبياء و جبناء استمرؤوا التذلل للإسرائيليين وتلقي الصفعات منهم الواحدة تلو الأخرى.
السيد عمرو موسى استشاط غضبا عندما دعا بيريز العرب إلى اتخاذ خطوات تجاه السلام، على غرار ما قام به الملك الراحل حسين بن طلال والرئيس المصري الراحل أيضا محمد أنور السادات، والاستعداد للتقدم نحو السلام، فسأله، أي موسى، عما فعلته إسرائيل من أجل السلام وما هو موقفها من المبادرة العربية، وكيف تتحدثون عن السلام وأنتم تبنون المستوطنات؟
غضب السيد موسى مشروع ومبرر، ولكنه موجه إلى الشخص الخطأ، فمثل هذا الكلام يجب أن يوجهه أيضا وبأكثر حدة وصراحة إلى أصدقائه من الزعماء العرب، وأولهم الرئيس المصري حسني مبارك الذي خدم معه لأكثر من ثماني سنوات كوزير للخارجية.
العرب مغفلون فعلا، وتتعامل معهم إسرائيل والولايات المتحدة، وربما العالم بأسره، على هذا الأساس، ولا نرى أن هناك ما يجبرهم على تغيير هذه القناعة الراسخة، ودليلنا الدامغ على هذه الحقيقة المؤلمة نوجزه في بعض الأمثلة:
أولا: وزراء الخارجية العرب، وكبيرهم السيد عمرو موسى، اشترطوا تجميد كل الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية لذهابهم إلى مؤتمر أنابوليس للسلام الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ونجحوا فعلا في إصدار قرار عن المؤتمر يؤكد مطالبهم، فماذا فعلوا وحكوماتهم الموقرة عندما خرقت إسرائيل هذا القرار وبنت أكثر من ثمانية آلاف وحدة سكنية في المستوطنات المحيطة بمدينة القدس المحتلة في الأشهر الستة الأخيرة التي تلته؟
هل سحبوا السفراء احتجاجا، أو أغلقوا السفارات، أو حتى طردوا دبلوماسيا إسرائيليا واحدا من السفارات التي ترفع النجمة السداسية في قلب عواصمهم، وتضم أقساما ضخمة للموساد؟
ثانيا: العرب الرسميون شاركوا في كل حروب الإدارة الأمريكية الأخيرة، سواء بالمال أو الجيوش ابتداء من حرب تحرير الكويت عام 1991، ومرورا بالحرب على الإرهاب عام 2001 في أفغانستان، وانتهاء بغزو العراق واحتلاله عام 2003، فماذا قدمت لهم الولايات المتحدة الأمريكية في المقابل؟ لا شيء على الإطلاق، بل الأنكى من ذلك أنها سلمت العراق مقشرا للنفوذ الإيراني، الذي يتباكون منه حاليا، ويحرضون الإدارة الأمريكية على شن حرب على إيران نيابة عنهم وتبديدا لمخاوفهم.
ثالثا: أسعار النفط بلغت أرقاما قياسية، واقتربت من المائة وخمسين دولارا للبرميل، بسبب حالة التوتر في المنطقة الناجمة عن عمليات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، تماما مثلما ارتفعت بسبب حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973. الرئيس بوش هرع إلى المملكة العربية السعودية طالبا زيادة الإنتاج لتخفيض الأسعار، وامتصاص غضب المستهلك الأمريكي. الحكومة السعودية زادت كمية إنتاجها بثلاثمائة ألف برميل في تجاوب فوري لطلبه، ثم قررت زيادة مائتي ألف أخرى اعتبارا من أوائل الشهر المقبل. فماذا أخذت الحكومة السعودية من إدارة بوش في المقابل؟ لا شيء على الإطلاق باستثناء تصريح للسيدة كوندوليزا رايس أطلقته أثناء لقائها بالرئيس محمود عباس في رام الله، قالت فيه: إن التوسع الاستيطاني لن يؤثر على نتيجة مفاوضات السلام.
رابعا: الأردن دولة وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل، وأجّرت أراضي للمستوطنين في الغور لعدة عقود قادمة.. واستضافت كل رؤساء، ورؤساء وزارات، ووزراء إسرائيل تقريبا، فماذا حصلت في المقابل؟ تصريحات لوزير إسرائيلي قال فيها إن العاهل الأردني الحالي هو آخر ملك للبلاد، ومفاجأة أخرى غير متوقعة من روبرت كاغان مستشار المرشح الجمهوري جون ماكين بأن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين.
خامسا: تقدم العرب عبر قمتهم في بيروت عام 2002 بمبادرة سلام بالتطبيع الكامل مع إسرائيل، مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة، فردت حكومة أرييل شارون في حينها بإعادة احتلال الضفة الغربية وتشديد الحصار على الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات في مقره وتدمير معظمه فوق رأسه إلى أن اغتالته بالسم، والتوسع في الحفريات تحت المسجد الأقصى، وبناء مستوطنات جديدة حول القدس المحتلة. كيف جاء الرد العربي على هذا التجاوب الإسرائيلي؟ إعادة طرح المبادرة العربية للسلام مرة أخرى في قمة الرياض، وعقد اجتماع لوزراء خارجية الدول العربية برعاية السيد موسى نفسه لتفعيلها، وتشكيل وفد من وزيري خارجية مصر والأردن للذهاب إلى القدس المحتلة لشرحها للمسؤولين الإسرائيليين في عملية استجداء يندى لها الجبين.
سادسا: الرئيس مبارك قدّم خدمات جليلة للولايات المتحدة لم يقدّم مثلها أي زعيم عربي آخر حتى الآن، ومع ذلك عامله صديقه الرئيس الأمريكي بازدراء شديد في الزيارتين العابرتين اللتين قام بهما إلى مصر في كانون الثاني (يناير) وأيار (مايو) الماضيين، فقد توقف لمدة أربع ساعات في الزيارة الأولى، ولم يقابله في الزيارة الثانية إلا لبضع دقائق، ولم يكلف نفسه بحضور خطابه، أي خطاب مبارك، الذي ألقاه في المنتدى الاقتصادي المنعقد في شرم الشيخ، وجاء بسببه الرئيس الأمريكي للمنتجع المصري الشهير. والأكثر من ذلك أن الرئيس بوش بلغ به حد الاستهتار بمضيفه المصري درجة إلقاء محاضرات عليه في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
سابعا: إسرائيل تحاصر مليونا ونصف المليون عربي مسلم في قطاع غزة، وتقطع عنهم الماء والكهرباء والمواد الطبية والوقود وكل أسباب الحياة، واثنتان وعشرون دولة عربية لم تستطع إيصال لتر واحد من النفط إليهم، ولا حتى علبة دواء واحدة، خوفا من الغضب الإسرائيلي-الأمريكي.
الأمثلة على الهوان العربي كثيرة، يضيق المجال لحصرها، ولا بد أن السيد موسى يعرفها، مثلما يعرف ما هو أخطر منها، ولذلك لا نستغرب غضبته هذه، ولكننا نستغرب حضوره هذا المؤتمر وجلوسه إلى مائدة واحدة مع الرئيس الإسرائيلي، وهو الذي لم يفز بجائزة نوبل، فلماذا يعرّض نفسه وجامعته لمثل هذه الإحراجات إذا كان لا يستطيع تحملها؟ وأليس هذا تطبيعا مجانيا بين الجامعة العربية وإسرائيل؟.
السيد موسى يستحق الشكر على انسحابه احتجاجا، ولكن كان عليه أن يكمل جميله، وأن يتمسك بموقفه، ولا يعود إلى قاعة الاجتماع، حتى يثبت لنا وللضيوف الحاضرين أنه جاد فعلا في موقفه هذا، وأنه مختلف عن الزعماء العرب الذين يمثلهم، ولكنه لم يفعل وللأسف الشديد، وجاءت غضبته هذه زوبعة في فنجان، انتهت في دقائق معدودة، وأعطت عناوين جيدة لبعض الصحف العربية، ونحن منها. “

عبد الباري عطوان